من اعتمد على عقله ضلَّ
من أعظم نعم الله تعالى على عباده المؤمنين نعمة التوفيق، فكم لله علينا من نعم كثيرة لا تُعد ولا تُحصى، لكننا لا نشعر بها؛
لأنها أصبحت مألوفة لدينا، كأننا قد عملنا عقدًا بيننا وبين الله تعالى أن تستمر هذه النعم معنا حتى الموت
يجب أن ننظر دائمًا إلى بواطن الأمور وعواقبها، ولا ننظر إلى ظاهرها فقط؛ فالأمور بنهايتها قال تعالى: ﴿وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216) (البقرة).
ومن أعظم النعم علينا جميعًا نعمة التوفيق، ومعناه أن يكتب الله لك النجاح في كل عمل تعمله، وتشعر بأن الله قريب منك، فترى كل عمل ميسر، وهذا يجعلك دائمًا على حسن صلة بالله في كل أمور حياتك، وتطلب منه التوفيق دائمًا ومن أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم
في القرآن: ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) (هود).
فإذا كنت- مثلاً- طبيبًا، وجعلك الله سببًا لشفاء المريض، أو سببًا لتخفيف آلامه، وقمت بعمل جراحة صعبة لمريض، ونجحت على أحسن ما يكون، فيجب عليك ألا تنظر إلى الخبرة والدراسة والإتقان والجودة فقط، وإنما أن تنسب هذا النجاح والتوفيق إلى صاحبه الحقيقي، وهو الله سبحانه وتعالى؛ حتى تستمر هذه النعمة معك.
إذا كنت باحثًا أو عالمًا أو مخترعًا، واكتشفت شيئًا جديدًا في البحث العلمي، فلا تنظر إلى ذكائك وموهبتك، وإنما تواضع، وقل "الفضل لله أولاً وأخيرًا".
قال الإمام علي رضي الله عنه: "من اعتمد على ماله قلَّ، ومن اعتمد على عقله ضلَّ، ومن اعتمد على الله فلا يضلّ".
وقال الشاعر الحكيم:
إذا لم يكن عون من الله للفتى ***** فأول ما يجني عليه اجتهاده
وإذا كنت تاجرًا أو رجل أعمال، ونجحت تجارتك، وحققت أرباحًا كثيرة، وأصبحت من مشاهير الأغنياء؛ فلا تنظر إلى ذكائك وعقلك وخبرتك فقط، وإنما رد الجميل إلى صاحبه، وانسب الفضل إلى أهله، وقل كما قال سليمان عليه السلام: ﴿هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) (النمل).
ولا تكن مثل قارون، حينما منحه الله أموالاًً كثيرة، ورفض أن يؤدي شكرها، فنسب الثراء إلى علمه وعقله، فقال:
﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي﴾ (القصص: من الآية 78) فكانت النتيجة كما حكى القرآن:
﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ (81) (القصص).
- يجب أن نتعلم اليوم درسًا مهمًّا؛ وهو أن كل عمل نعمله يحتاج إلى توفيق، فقبل أن تبدأ العمل وأثناءه وبعده اطلب التوفيق من الله سبحانه وتعالى وحده، ثم اشكره على هذه النعمة حتى يستمر نجاحك في عملك