كلمة مسلة مشتقة من اللغة الإغريقية وتعني خنجر، فالمسلات أعمدة ضخمة تكون قاعدتها كبيرة ثم تضيق باتجاه الأعلى حتى تنتهي بحافة مدببة لذلك تبدو كالخناجر، والمسلات فن معماري رائع وجميل حيث كان يغطى طرف المسلة بمعدن براق ثمين كالذهب أو الفضة حتى يعكس ضوء الشمس لمسافات بعيدة، ولكن هذه المعادن تعرضت للنهب منذ زمن بعيد ولم يبق سوى الأعمدة المصنوعة من الحجارة، وكان جلب الحجارة الخاصة بها من كهوف بمدينة أسوان، وكانت بعض المسلات تحمل على جدرانها الكثير من النقوش والرسومات الهيروغليفية، وهي اللغة المصرية القديمة، وقد خلّدت هذه الكتابات الحضارة الفرعونية ونقلت ملامحها عاصمة مصر، وقد أقيمت منذ أكثر من 4 آلاف عام، وأطول مسلة موجودة في أسوان (مدينة في صعيد مصر) ويبلغ ارتفاعها 39 متراً.
ولعل أشهر تلك المسلات المصرية القديمة هي التي كانت قائمة في معبد الكرنك الأثري والتي أقامها الملك تحتمس الأول وكان عددها 13 مسلة ولم يبق منها الآن إلا ثلاثة.
أما أشهر مسلتين فهما مسلتان توأمان وقد أطلق عليهما اسم (إبرة كليوباترة) وهي ملكة مصرية قديمة، وقد شيدتا منذ أكثر من 3500 عام وتوجد إحداهما في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، بينما توجد الأخرى بالقرب من نهر التايمز بإنكلترا وقد أهداهما نائب البلدة بمصر عام 1819 إلى بريطانيا
مسلة تحتمس الثالث
المسلة الموجودة اليوم في مدينة نيويورك في الساحة المركزية central park يطلق عليها خطأ أسم الملكة الشهيرة كليوباترا .
والمسلة تعود الى أحد الفراعنة الكبار في العصر الذهبي للفراعنة في عهد الاسرة الثامنة عشرة، وهو تحتمس الثالث قبل ميلاد كليوباترا بحوالي الفي عام.
وكلمة مسلة تعني الابرة الكبيرة وربما تكون كلمة فرعونية لكنها مازالت مستخدمة في كل البلاد التي وصلها النفوذ الفرعوني: والمسلة تشبه الابرة الكبيرة الى حد ما فقاعدتها عريضة وتسترق كلما ارتفعت باتجاه قمتها.
ومسلة كليوباترا عبارة عن ساق من الغرانيت الاحمر تم استخراجه من محاجر اسوان التي تقع عند الشلال الاول للنيل.
ويبلغ ارتفاع المسلة 68 قدما وعشر بوصات ويبلغ عرضها عند قاعدتها ثماني اقدام وبوصتين ويستدق - يسترق - سمكها كلما اتجهنا للأعلى حيث تصل في قمتها الى ست اقدام وبوصة واحدة.
كانت المسلة مقامة اصلا في هيلوبولس - عين شمس التي التصقت معماريا بمدينة القاهرة في الزمن الحاضر. لكنها كانت خاج سور القاهرة قبل هدمه.
ابحرت الباخرة الاميركية دو سوج من ميناء الاسكندرية في يوم 12 يونيو 1880 حاملة على متنها مسلة كليوباترا التي يبلغ وزنها مائتين وعشرين طنا. وقد استغرقت عملية ازالة المسلة من موقعها في الاسكندرية وعملية شحنها حوالي ثمانية شهور واستخدمت في عملية الشحن والنقل رافعات عملاقة وقد احتاجت لستة اشهر اخرى لانزالها الى البر، بمعنى ان السلطات الاميركية المتحدة قد استغرقت سنة ونصف السنة لنقل المسلة واستخدمت تكنولوجيا اواخر القرن التاسع عشر،
مسلة الفرعونة حتشبسوت
لكن الفرعونة حتشبسوت تخبرنا عبر النقوش الهيروغليفية الموجودة في مسلتها بالتالي:
ذلك ما سألقنه للاجيال التالية الذين سيأتون فيما بعد والذين سيشاهدون النصب التي اقمتها، وسيذهلون من تلك النصب التي اقمتها تخليدا لوالدي الذي ورثته على العرش، وكنت اتذكر دائما ذلك الذي انجبني. فهداني قلبي ان اقيم له مسلتين من الكهرمان تصلان الى قبة السماء مقابل البوابة العظيمة التي تقع بين معبد الملك تحتمس العظيم. وعندما تشاهدها الاجيال القادمة وتتحدث عن اعمالي المجيدة فليحذروا ان يقولوا ملغاة لا نعلم، ولي وطيد العزم ان تطلى هذه النصب بالذهب.
وتزن مسلة حتشبسوت حوالي اربعمائة طن. ولقد استغرق العمل في المحجر ونصب المسلة سبعة شهور فقط، واقيمت المسلة عند احد معابد الكرنك. وقد نقلت من اسوان الى الكرنك فوق نهر النيل. فكيف علينا ان نتخيل امكانية نقل قطعة من الغرانيت وزنها اربعمائة طن ضمن تكنولوجيا ما قبل اربعة آلاف سنة. ويزن تمثال رسميس الثاني المقام في طيبة تسعمائة طن.
كيف نقل المصريون القدماء هذه الاوزان الرهيبة عبر مئات الاميال وكيف نصبوها:
ذلك سؤال محير لم يجب عنه احد بعد، رغم النظريات المتفاوتة حول ذلك.
نعود الى مسلة كليوباترا وتاريخها:
لقد بنيت المسلة اصلا في عهد تحتمس الثالث في هيلوبولس وزميلتها الاخرى هي المسلة الموجودة حاليا في مدينة لندن. وقد نصبتا مقابل بعضهما البعض ليخلدا اعمال الفرعون وانتصاراته. وقد كتب على وسط المسلة آيات الثناء على الآلهة وتركت المساحات الجانبية فارغة، عندما قام فراعنة لاحقون باملاء الفراغات وتدبيج الثناء على انفسهم.
سبب لإقامة تحتمس الثالث المسلات
كان تحتمس الثالث ملك محارب. وقام بسبعة عشرة حملة عسكرية لآسيا، ومنطقة سوريا، وفلسطين. كان هذا الفرعون محاربا جبارا اقتحم بلاد ما بين النهرين قائدا للمعارك بنفسه، حيث امتدت حدود مصر الى عمق اسيا وافريقيا مكونا امبراطورية عظمى في ذلك العصر. وقد اقام عددا كبيرا من المسلات تخليدا لمعاركه تلك.والمسلة المنصوبة فى ميدان القديس لاتيران في روما جون واحدة من تلك المسلات، على الرغم من ان النقوش المكتوبة عليها تشير الى انه قد توفي لكنها بنيت في عهده
مسلة تحتمس الرابع
ونصبت في عهد ابنه تحتمس الرابع وهي من اكبر المسلات وتزن خمسمائة طن. والمسلة الاخرى المنصوبة في اسطنبول هي الاخرى من مسلاته ويروي فيها قصص بطولاته في بلاد ما بين النهرين. واضافة الى تدوين الانتصارات فقد هدف تحتمس الثالث الى استخدام تلك المسلات لاضاءة معبد الشمس. فقد طليت المسلات بالذهب لتعكس ضوء الشمس داخل المعبد.
ولربما يفسر لنا ذلك التحول الذي طرأ عند احفاد تحتمس الثالث وتحولهم الى عبادة الشمس 'أتون' اخناتون ووالده. وهجرتهم من طيبة الى تل - العمارنة.
كانت المسلات تقام ازواجا عند ابواب المعابد. وكانت هيلوبولس مركزا دينيا علاوة على كونها مركزا للعلوم والمعرفة لقرون طويلة. وكان يعبد فيها 'الثور' - منفيس - وقد زارها العديد من فلاسفة اليونان والرحالة.
المسلات فى عهد االإستعمار الفارسى
لقد انقطع تاريخ هذه المدينة عندما غزا الفرس مصر عام 525 قبل الميلاد بقيادة قمبيز واعملوا سيف الخراب والقتل في ربوع البلاد واسقطوا المسلات في الارض واحرقوها. وهدموا المعابد المقدسة عند المصريين واحرقوها. وضربوا النصب الخالدة عبر القرون. وعندما زار المؤرخ سترابو مدينة هيلوبولس بعد ذلك بخمسة قرون اثر الغزو الفارسي لم يجد سوى اطلال ومدينة قاحلة ومعابد مدمرة ومسلات غائصة في الرمال. ولكنه وجد المصريين يتعبدون في المعبد المدمر حسب الديانة المصرية القديمة.
وبقيت مسلة كليوباترا 550 سنة ملقاة على الارض في هيلوبولس منذ الغزو الفارسي وحتى نقلها الرومان في عام 18 ميلادي ونصبت في الاسكندرية على شاطئ البحر على يد المهندس الروماني بونطس الذي خلد اسمه على قاعدة المسلة.
ويبدو على الجانب الشرقي للمسلة تحتمس الثالث رابضا على قاعدة تشبه ابا الهول وممسكا بكلتا يديه باناءين مقدما القربان ل'رع' الذي له رأس صقر.
الخديوي اسماعيل اهدى هذه المسلة لمدينة لم يزرها في حياته.
المسلات التاريخية من أشهر الآثار التى خلفها المصريون "وكلمة المسلة تعنى فى اللغة العربية الإبرة" وشيدها الفراعنة للإشارة الى إصبع العقيدة الذى يشير الى عرش الإله فى السماء وذلك تعبيراً عن وحدانية الخلق , والمسلة رمز عند المصريين القدماء يعبر شكلها عن هرم (بن بن) ذى الأضلاع الأربعة التى تمثل أركان الدنيا الأربعة ، وتتجة بشكلها الهرمى نحو السماء مكونة قمة المسلة ، أما جسم المسلة فهو القائم الذى يحملة فى عنان السماء ليربط بينها وبين الأرض كرمز للإيمان , وقد أطلق المصريون القدماء اسم (تحن) على المسلة ومعناة "إصبع الشعاع المضئ" وأطلق عليها مؤرخو الاغريق اسم ( Obelisk ) اى الوتر او الإبرة ، وهو الاسم الذى اشتهرت به فى الغرب وترجمة العرب الى (مسلة) ، ولقد سجل التاريخ ما ارتفع فى سماء مصر بما لا يقل عن مائة وعشرين مسلة , وبعد ان كانت أرض الكنانة تحتفظ بين جنباتها بـ 12 مسلة ترتفع فى سماء مصر ، سرقت تلك المسلات لترتفع فى عواصم وحواضر العالم المتقدم ، لندن ، باريس ، روما ، القسطنطينية ، نيويورك إن تلك المسلات التى وقفت صامدة تقاوم الزمن آلاف السنين تعبر عن عظمة لم يبق منها على أرض مصر سوى خمس مسلات ، سقطت اثنتان منها وتركت مهملة فوق الأرض والثلاث الأخريات معرضة للسقوط والانهيار ! ويقول ( هيرمان ) فى كتابه عن سرقة الاثار: "إذا أردت ان تشاهد عظمة مصر فانظر الى مسلاتها التى تعبر عن الخلود ، خلود الحضارة فى اسمى معانيها ، واذا أردت ان تشاهد تلك المسلات فاذهب الى اى عاصمة من عواصم العالم المتحضر ، فستجد واحدة او اكثر تتصدر أعظم ميادينها فى ما عدا مصر صانعة الحضارة" .
وعن سرقة المسلات يقول الدكتور ( سيد جميل ) خبير الامم المتحدة : "ان هجرة المسلات الفرعونية الى خارج البلاد بدأت عام 675 ق.م عندما قام آشور بانيبال بعد احتلالة أرض مصر بنقل مسلتين من مسلات آون (عين شمس) ذكر ان احداهما كانت تحمل اسم رمسيس الثانى والثانية تحمل اسم سيتى الاول لاقامتهما فى مدينة نينوى عاصمة مملكتة الجديدة التى أسسها (سبنجريب الآشورى) بعد استيلائه على بلاد الرافدين وإغراقها وتخريبها
استيلائه على بلاد الرافدين وإغراقها وتخريبها , وأقام آشور بانيبال المسلتين فى الميدان الكبير المواجة لقصره الذى يتوسط عاصمة ملكة ، والمسلتان يبلغ ارتفاع كل منهما 50 قدماً صنعت من كتلة واحدة من الجرانيت الوردى ، وكانت تكسو قمة كل منها الواح من معدن الالكترون البراق .
وبعدها كان دور أباطرة الرومان الذين اهتموا بنقل المسلات المصرية الى روما عاصمة الامبراطورية ابتداء من عصر البطالمة .
ومن ثم تم نقل اول مسلة فرعونية نقلت الى اوروبا والتي حلمها الامبراطور (أغسطس) عند عودته من الزيارة التي اقامها الى مصر عام 55 ق.م وجعلها تتوسط مدينة روما بعد قيامة بتجديدها وإعادة تخطيطها , ونقش بعض العبارات باللغه اللاتينية على قاعدتها تبركاً بالملكة (إيزيس) والتي كان يطلق عليها الرومان إسم (سيدةالعالم) , كما قام الإمبراطور (كاليجولا) بنقل إحدى مسلات (تحتمس الثالث) من عين شمس واقامها في ميدان القديس بطريس , ومن ثم قام الامبراطور (دوماتيان) بنقل إحدى مسلات رمسيس الثاني عام 88م والتي كانت موجوده في معبد تانيس لوضعها في بهو معبد إيزيس الذي اقيم تقديساً لسيدة العالم المصرية على شاطيء نهر التيبر في روما , وفي عام 130 م نقل الامبراطور (هادريان) مسلة من هليوبوليس الى روما , وفي عام 330 م نقل قسطنطين الاكبر عاهل الدولة الرومانية أكبر مسلة فرعونية وجدها في عين شمس وهي تعد اكبر المسلات التي تم نقلها الى روما , وقد حاول إرسالها الى بيزنطه لتجميل عاصمة مملكته الجديدة , ولكن محاولته واجهة صعوبات عديدة فبقيت في مكانها على شاطيء الاسنكدرية 27 عام حتى قام ابنه قسطنطينيوس عام 357 م بنقلها الى روما حيث اعطى اوامره بإقامتها في ميدان مكسيموس .
ويقول المؤرخون إن لعنة الفراعنة قد صحبتها من وقت نقلها من هليوبوليس فلم يتمتع الامبراطور قسطنطين برؤيتها تزين عاصمة ملكه ، وتبعت اللعنة ابنه ، فبعد المجهود الشاق الذى لاقاه فى نقل المسلة من الاسكندرية حتى وصلت الى روما وأرادوا الاحتفال بإقامتها فإذا بها تتصدع فجأة عند محاولة رفعها , ومات قسطنطينيوس في نفس السنه فتركت المسلة في مكانها ولم يجرؤ احد على محاولة ترميمها حتى عام 1587 م أي بعد مرور 1230 عام كشف عنها ووجدت محطمة الى ثلاث قطع فقام رومينكو فونتانا بأمر من البابا (سكوتش الخامس) بترميمها واصلاحها واقامتها أمام كنيسة القديس يوحنا باللاتيران كما أمر برفع الصليب على قمتها كرمز على انتصار المسيحية على الوثنية ! .
وتعتبر مسلة اللاتيران أكبر مسلة فرعونية نقلت خارج مصر حيث يبلغ ارتفاعها 105 اقدام ووزنها 455 طناً ، نقلها الامبراطور تيودورس عام 510م ، وهى فى الواقع تمثل الجزء الأعلى فقط من مسلة مماثلة أصلاً فى الطول لمسلة اللاتيران ويبلغ ارتفاع الجزء المتبقى منها حالياً 85 قدماً .
ويؤكد المؤرخون أن مسلة روما هى آخر المسلات التى أقامها سيتى الأول عام 1290 ق.م ومات قبل أن ينقشها ، وقد أكمل نقشها ابنه الملك رمسيس الثانى ، وقد نقلت الى روما فى أواخر عصر الحكم الرومانى وهى تقف الآن فى ميدان الشعب (بياتزادل بوبولو) وسط روما ، وتعتبر من أشهر وأجمل مسلاتها ، وهى ثانى مسلة فى روما تحمل اسم ملكين بعد مسلة اللاتيران .
ثم بدات هجرة المسلات الثانية من مصر الى عواصم الدول الأوربية والأمريكية فى بداية القرن التاسع عشر عندما جاءت الى أرض وادى النيل شخصيات أوربية جمعت خليطاً من علماء الآثار ومحترفى الحفريات وتجار الآثار وأعضاء من عصابات التهريب العالمية يتخفى معظمهم تحت اسماء مختلف الخبرات وتتستر عليهم الحكومات الغربية والمنظمات التى يعملون لحسابها .
وبذلك كانت أول المسلات التى اختفت من أرض مصر مسلة جزيرة (فيلة) المشهورة التى هربها (بلزونى) بمغامرة خيالية ، حيث قام بسحبها من المعبد على (حزافيل) خشبية صنعها من جذوع النخيل حتى وصلت الى شاطىء الجزيرة ، حيث أخفيت لعدة ايام بين عيدان الغاب لحين وصول سفينة خاصة أعدت لتهريبها ، فنقلت اليها فى ظلام الليل لتبحر بها فى مجرى النيل متجهة الى رشيد ، ومن هناك حملتها سفينة يقال إنها تتبع الأسطول البريطانى , ووصلت المسلة الى شواطىء انجلترا عام 1920م لتقام فى ساحة قصر (لنجزتون) فى دورست ، وهو المكان الذى اختاره لها دوق ولنجتون الذى قيل إنه كانت له يد فى تهريبها .
وقام بلزونى بمغامرة أخرى أكثر إثارة ، عندما قام بنقل أحد التماثيل الضخمة لرمسيس الثانى من معبد الرامسيوم ونقله الى لندن حيث ت
صدر القاعة الكبرى بالمتحف البريطانى .