لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً".
أَمَام تِمْثَاله في متحفه وقفت أتأمله، أحاول أن أغوص فى أعماق هذا الشباب الفصيح،،، ساحر البيان،،، صاحب أروع كلمات فى تاريخ الوطنية،،،،أول مصرى رن صدى صوته فى الشرق والغرب، والذى بذل الكثير من الجهد فى سبيل الدعوة لاستقلال مصر حتى سقط شهيداً للواجب الوطنى ولم يكن قد تجاوز الأربعة والثلاثون عاماً.
ولد مصطفى كامل في الرابع من أغسطس عام 1874م، لأب من ضباط الجيش المصري، فغرس فيه منذ صغره حب الحرية والوطن، وهو الأمر الذي لازمه طيلة سنوات عمره القصير الذى لم يمهله كثيراً لإستكمال مسيرة النضال من أجل الوطن.
تلقى مصطفى كامل تعليمه الابتدائي في ثلاث مدارس مختلفة، التحق بعدها بالمدرسة الخديوية أفضل مدارس مصر آنذاك، حيث حصل على الشهادة الثانوية وهو في السادسة عشرة من عمره، ثم التحق بمدرسة الحقوق سنة 1891م، التي كانت تعد مدرسة الكتابة والخطابة في عصره، فأتقن اللغة الفرنسية، بعد ذلك التحق بجمعيتين وطنيتين، وظل يتنقل بين العديد من الجمعيات، وهو ما أدى إلى صقل وطنيته وقدراته الخطابية.
وجاء كفاح مصطفي كامل من أجل مصر في وقت عصيب من تاريخ مصر، ليؤكد للجميع أن مصر لم تستسلم بعد هزيمة التل الكبير ونهاية ثورة احمد عرابي, حيث لم يكن ينقص المصريين بعد الهزيمة سوي استعادة المقاومة والكفاح, فنشط مصطفى كامل محاولاً إنقاذ الشعب المصري من حالة اليأس التي كان يعاني منها.
تعرف مصطفى كامل على عدد من الشخصيات الوطنية والأدبية أمثال إسماعيل صبري، والشاعر الكبير خليل مطران، وبشارة تكلا مؤسس جريدة الأهرام، الذي نشر له بعض مقالاته في جريدته.
في سنة 1893م ترك مصطفى كامل مصر ليلتحق بمدرسة الحقوق الفرنسية؛ ليكمل بقية سنوات دراسته، ثم التحق بعد عام بكلية حقوق "تولوز"، واستطاع أن يحصل منها على شهادة الحقوق، ووضع في تلك الفترة مسرحية "فتح الأندلس" التي تعتبر أول مسرحية مصرية، وبعد عودته إلى مصر سطع نجمه في سماء الصحافة، واستطاع أن يتعرف على بعض رجال الثقافة والفكر في فرنسا، وازدادت شهرته مع هجوم الصحافة البريطانية عليه.
رفض مصطفى كامل الوظيفة الحكومية بعد عودته إلي مصر التي كانت في رأيه ستضعه تحت سيطرة الاحتلال البريطاني، ثم سطع نجمه في سماء الصحافة، واستطاع أن يتعرف على بعض رجال الثقافة والفكر في فرنسا، وازدادت شهرته مع هجوم الصحافة البريطانية عليه.
في 13 أبريل عام 1895 سافر مصطفي كامل للدعوة للقضية المصرية علي نفقة الخديوي عباس حلمي الثاني وكان حينها عمره 21 عاماً، وبعد عودته إلى مصر عام 1896، واصل حملته السياسية والدعائية ضد الاحتلال البريطاني فنشر العديد من المقالات التى تندد بالاحتلال وتطالب بالاستقلال لمصر فى العدي من الصحف، أهمها "المؤيد" التي كانت وثيقة الصلة بالخديوي عباس الثاني. لكنها أبدت نوعًا من الفتور في نشر بعض مقالاته بعد فتور علاقاته مع الخديوي.
وفى يناير 1900 نجح في إصدار جريدة "اللواء" التي انطلق منها للدفاع عن قضيته، فضمت بين كتابها العديد أبناء الوطن على اختلاف أرائهم وكانت الصحيفة من أنسب الوسائل للربط بينه وبين أبناء الأمة.
بعد ذلك انطلقت دعوة مصطفى كامل لأنشاء أول جامعة على أرض مصر، من خلال لجنة دعت للاكتتاب من أجل تأسيس جامعة أهلية مصرية التأييد العام للمشروع وسارع بعض الكبراء والعامة بالتبرع، وكان على رأس المتبرعين مصطفى كامل وقد نجحت الجهود فى إنشاء الجامعة المصرية والتى هى الآن جامعة القاهرة.
تولَّى الخديوي عباس الثاني حكم مصر في 1892م وكان عمره 17 عاما، وكان مصطفى كامل يكبره بعام واحد، وقد أراد عباس أن يستقل بالسلطة عن السيطرة الفعلية في البلاد، وهي الإنجليز فبدأ في تأليف لجنة سرية للاتصال بالوطنيين المصريين من أجل الدعاية لقضية استقلال مصر، وقد عُرفت باسم "جمعية أحباء الوطن السرية".
والتقى مصطفى كامل وأحمد لطفي السيد وعدد من الوطنيين بمنزل محمد فريد، وتم تأليف "جمعية الحزب الوطني" كجمعية سرية، من أجل الدفاع عن قضية مصر الاولى وهى جلاء الإنجليز عن مصر، وسافر أحمد لطفي السيد إلى أوربا، والتقى ببعض المصريين هناك، وبعد عودته كتب تقريرا عن رحلته، قرر فيه أن مصر لا يمكن أن تتحرر إلا بمجهود أبنائها، بدأ أعضاء جمعية الحزب الوطني فى التحرك فى الداخل والخارج من أجل شحز الهمم وتوحيد الصفوف الوطنية ومحاولة خلق رأى عام خارجى مؤيد لقضية الاستقلال، بعد ذلك نجح مصطفى كامل فى إنشاء الحزب الوطني الذي قاد الدعوة لاستقلال البلاد الذى قاد مسيرة العمل الوطنى نحو الإستقلال، وانعقدت الجمعية العمومية لأول مرة في فناء دار اللواء وخرج مصطفي كامل بالرغم من مرضه وخطب قائلا: " إننا لسنا حزبًا سياسيا فقط، نحن قبل كل شيء حزب حياة للأمة، إنكم أنتم قوتي وساعدي بصفتكم من خير أمة أوقفت لخدمتها حياتي وقواي، وعقلي وقلبي وقلمي ولسانى وصحتى".
بعد هذه الخطبة التي أطلقوا عليها "خطبة الوداع"، تأسس الحزب الوطني الذي تألف برنامجه السياسي من عدة مواد أهمها: المطالبة باستقلال مصر، كما أقرته معاهدة لندن 1840م، وإيجاد دستور يكفل الرقابة البرلمانية على الحكومة وأعمالها، ونشر التعليم، وبث الشعور الوطني.
وفى فبراير 1908 رحل مصطفى كامل شهيد الواجب الوطنى، بعد أن نطق بأروع الكلمات والعبارانت الوطنية والتى ظلت فى قلوبنا دستوراً نحفظه يردده الكبير والصغير" بلادى بلادى لك حبى وفؤادى" توفى ذلك الرجل الذى بعث فى الأمة المصرية ليوقظ فيها العزيمة للدفاع عن حريتها وكرامتها.