منقول للفائدة من محاضرات للدكتور / سميح ابو الراغب اختصاصي الطب الشرعي
ظروف الحالات الطبية الشرعية
عند نشوء حالة طبية شرعية فانه يجب ان لا يغيب عن الاطباء الشرعيين البحث في امكانية تحديد ظروف الحالة مما يساعد في سير التحقيقات وخدمة العدالة وان المطلوب من الطبيب دائما ان يحاول اثناء قيامه بالمعاينة الطبية للمصاب أو المتوفي أو المتسبب الوصول الى رأي حول ظروف الحالة سواء كانت جنائية أو عرضية أو انتحارية أو مفتعلة ، إذ ان اغفال الطبيب البحث في تحديد ظروف الحالة اثناء المعاينة الطبية قد يؤثر في سير التحقيقات باتجاه غير صحيح منذ البداية ، كما قد يتعذر عليه تحديدها فيما بعد بسبب تغير ملامح الاصابة بمرور الوقت أو بسبب تعذر اعادة المعاينة للحالة مرة ثانية .
الجروح والاصابات
يعرف الجرح طبيا بأنه انقطاع استمرارية الجلد وغيره من انسجة الجسم نتيجة للتعرض لشده خارجية .
وقد التزمت بعض التشريعات القانونية بهذا التعريف وبعضها حصرها بالجلد فقط ، كما ان بعضها الاخر أضاف ( أغشية الجسم الخارجية الى الجلد وعرفتها بانها كل غشاء أمكن لمسه دون شق أي غشاء آخر ، مثل الاغشية الداخلية للانف والفم وقناة الشرج والمهبل .
ومن خلال التعريفين الاخيرين فان كلمة الجرح لا تطلق على اصابات الاحشاء اذا بقي الجلد والاغشية الخارجية سليمة . وعليه يمكن القول بان الجروح من انواع الاصابات وليس العكس .
أولا : تقييم الجروح والاصابات
يعتمد تقييم الجروح والاصابات اساسا على دراسة المشاهدات الحسية للحقائق العلمية التي يحددها الطبيب بالمعاينة الطبية والفحوصات المخبرية والشعاعية ، وبالقدر الذي تدون فيه المشاهدات دقة وتفصيلا كلما كان التقييم أقرب للحقيقة . اذ ان الهدف من التقييم يتمثل في تحديد أمرين هامين :
أولهما : مدى تأثير هذه الاصابة على صحة الانسان وحياته .
ثانيهما : تحديد ظروفها سواء كانت جنائية أو عرضية أو انتحارية أو مفتعلة .
أما بالنسبة لتحديد مدى الاصابات والجروح على صحة الانسان وحياته فان ذلك يدلل – من حيث طبيعة الاصابة أو الاصابات – على مدى ما يترتب عليها من تعطيل عن العمل أو تخلف عاهة دائمة ومدى خطورتها على الحياة بما يعبر عنه بالاصابة البسيطة أو الخطيرة أو القاتلة والتي يقابلها الى حد ما بما يعبر عنه الاطباء بالحالة العامة للمصاب ( جيدة أو متوسطة أو سيئة ) الا انه يجب الاخذ بعين الاعتبار ان كون الحالة العامة سيئة أو متوسطة لا يعني بالضرورة ان تكون الاصابة قاتلة أو خطيرة لان سوء الحالة أو خطورتها قد يكون لاسباب مرضية في حين تكون الاصابة بسيطة .
أما من حيث موقع الاصابة من الجسم ونوع الاداة او السلاح الذي تسبب بها وعلاقة أي منهما أو كليهما بطبيعة الاصابة فان التقييم لاي منها أو جميعها يكون في محصلة علاقتها معا دون استثناء أو استبعاد لاي منها .
فقد تحدث الوفاة نتيجة اداة غير قاتلة أو نتيجة اصابة في موقع لا يعتبر مقتلا وبالمقابل فان الوفاة قد لا تحدث بالرغم من ان الاصابة من شأنها ان تؤدي في العادة الى الوفاة أوانها في موقع قاتل من الجسم ونتجت عن سلاح قاتل . وهذا بالطبع لا يغير أبدا من كون الاصابة قاتلة .
أما بالنسبة لتحديد ظروف الاصابات من خلال الاصابات والجروح ذاتها فان وجود جروح تدل على المقاومة كالجروح القطعية في اليد أو اليدين نتيجة القبض على نصل السلاح وتعدد الاصابات في الجسم بالاضافة الى موقعها بعيدا عن متناول يد الصاب ، يدلل على ان الاصابة جنائية . كما ان انتفاء وجود أي اثار لعلامات قرب اطلاق النار ينفي ان يكون الاطلاق انتحاريا أو عرضيا من نفس المصاب او الامتوفي . اما في حالات ذبح العنق ، فان مستوى الجرح في الجلد وما تحته من الانسجة بالاضافة الى وجود جروح ترددية عند بداية القوة المستعملة أو علامات مقاومة أو عدم وجودها ..... الخ ، يساعد في بيان ما اذا كان الذبح جنائيا أو انتحاريا .............. الى غير ذلك من الامثلة .
ثانيا : المعاينة الطبية للجروح والاصابات :
من كل ما تقدم ، نجد ان مهمة الطبيب تتجه الى تحديد الامور التالية أثناء المعاينة الطبية للاصابات وفي كتابة التقرير عنها :
1. مواصفات الاصابة : وتشمل بيان نوعها وعددها وشكل وابعاد وموقع كل منها ، وما علق بها من الاداة أو السلاح المستعمل .
2. اتجاه الاصابة في الجسم واتجاه القوة المستعملة ومداها .
3. عمر الاصابات مع مقارنته بتاريخ ووقت الحادث أو الاعتداء .
4. مواصفات الاداة او السلاح المستعمل .
5. المضاعفات المتوقعة للاصابات .
6. المدة اللازمة للشفاء والمدة اللازمة لتعطيل المصاب عن عمله .
7. امكانية تخلف عاهة دائمة .
8. مدى تأثير الاصابات على الحالة الصحية للمصاب او حياته .
9. في حالات الوفاة : هل وقعت الاصابات قبل الوفاة او بعدها .
10. هل تدخلت اسباب اخرى ادت الى الايذاء او القتل .
11. هل هناك اكثر من متسبب في الايذاء او القتل .
ثالثا : طبيعة الجروح والاصابات :
تنقسم الجروح والاصابات من حيث طبيعتها الى :-
1. الجروح او الاصابات البسيطة :
هي التي لا تشكل في العادة خطرا على حياة المصاب . وانه في حالة حدوث الوفاة منها يكون مدعاة للاستغراب لعدم توقعه .
2. الجروح او الاصابات الخطيرة :
هي التي تهدد حياة الانسان بالموت ، الا ان نجاة الانسان من الموت منها هو الغالب وان كان احتماله قائما ومتوقعا .
3. الحروح او الاصابات القاتلة :
هي التي من شأنها ان تؤدي في العادة الى الوفاة ، وان نجاة الانسان من الموت منها يكون مدعاة للاستغراب لعدم توقعها .
رابعا : أنواع الجروح والاصابات :
تنقسم الجروح والاصابات الى الانواع الرئيسية التالية :
1. السحجات أو الخدوش :
تعرف السحجات بانها نزع الطبقات الخارجية من الجلد نتيجة الارتطام او الاحتكاك او الارتطام والاحتكاك بجسم صلب . وتسمى السحجات الناتجة عن الارتطام بالسحجات المطبوعة . اما باقي السحجات الناتجة عن الاحتكاك فتسمى السحجات الاحتكاكية . وفي الغالب نجد ترافق باقي انواع الجروح والاصابات كما ان للسحجات أهمية خاصة في تحديد :
أ- شكل ومواصفات الاداة اوالسلاح المستعمل .
ب- اتجاه القوة المستعملة .
ت- وجودها في بعض المواقع من الجسم يفيد في الاشتباه باسباب معينه للوفاة أو علامات مقاومة .
ث- ونظرا لقصر مدة شفاء السحجات فان ذلك يساعد في تقدير عمر الاصابات الاخرى المرافقة .
2. الجروح القطعية :
وهي عبارة عن قطع حاد في الجلد والانسجة الواقعة تحته نتيجة جسم صلب ذو حافة حادة . ويتميز هذا النوع من الجروح بانتظام حافتها ونزفها الشديد وقطع الشعر قطعا حادا بالاضافة الى ان طولها في الجلد اكبر من عمقها في الجسم . اما عرض الجرح فيعتمد على اتجاه العضلات في مسار الجرح . وقد يكون للسلاح المستعمل اكثر من حافة حادة واحدة الا انه لا يمكن معرفة ابعاد السلاح او عدد حوافه من خلال قياسات ابعاد الجرح القطعي . وأهم مضاعفات هذه الجروح النزف الدموي او السدة الهوائية او الاختناق نتيجة قطع الحنجرة او القصبة الهوائية . والجروح القطعية في الغالب من الجروح العرضية الا انها تكون جنائية أو انتحارية أو دفاعية ( جروح مقاومة ) .
ولا بد هنا من التوضيح بعض الشيء عن الجروح القطعية الانتحارية . فالاصابة عادة تكون في مكان حيوي من الجسم تؤدي اصابته – بمعرفة المنتحر – الى الوفاة السريعة مثل مقدم العنق والرسغ . ويتوقف اختيار مكان الاصابة على مدى المعرفة باهميته باتلنسبة للحياة والموت . وقد يلجأ المنتحر في حالة فشله الى اصابة اكثر من مكان واحد في جسمه او استعمال طريقة اخرى للانتحار .
وتكون الجروح القطعية الانتحارية في العادة في موقع من الجسم في متناول يد المنتحر الا اذا عمد الى اجراء بعض الترتيبات بحيث نجد الاصابة بعيدة عن متناول يده . وفي مثل هذ1ه الحالة فان الامر يتضح بسهولة اذا تم الكشف على مكان الوفاة قبل ان يعبث به أحد . كما تتميز الجروح الانتحارية بوجود الجروح الترددية وهي عبارة عن جروح قطعية سطحية عديدة متوازية عند بداية الجرح القاتل أي عند بداية القوة المستعملة ، كما انه يفيد ايضا معرفة اليد التي يستعملها عادة الشخص المنتحر ( ايمن أو اعسر ) .
كما انه في بعض حالات الانتحار نجد اليد المستعملة لا تزال تمسك بشدة على السلاح المستعمل في حالة تسمى بالتوتر الرمي .
3. الجروح الطعنية والوخزية :
وهي عبارة عن جروح نافذة في اعماق الجسم نتيجة جسم صلب حاد ذو رأس مدبب او جسم غير حاد وغير مدبب . وتتميز هعذه الجروح بان عمقها في الجسم أكبر من طول مدخل الجرح الموجود في الجلد . وغالبا ما ينزف مثل هذا النوع من الجروح الى داخل الجسم بعكس الجروح القطعية . كما ان هذا النوع من الجروح غالبا ما يكون جنائيا .
ويمكن معرفة نوع السلاح المستعمل فيما اذا كان ذو حافة حادة واحدة أو ذو حافتين حادتين وذلك بتحديد نوع زاويتي الجرح . فاذا كانت زاويتي الجرح حادتين فان السلاح المستعمل يكون ذا حافتين . اما اذا كانت احدى هاتين الزاويتين فقط حادة والاخرى غير حادة فان السلاح المستعمل يكون ذا حافة حادة واحدة . أما عمق الجرح فانه قد يكون أقل من طول السلاح المستعمل او اطول منه . وهكذا يعتمد الى حد كبير على المسافة التي ينفذها نصل السلاح داخل الجسم ووضع الجزء المصاب من الجسم وقت الاصابة او مدى قابلية الجزء المصاب للانضغاط وطبيعة الانسجة المصابة . كما يعتمد ايضا على وجود مقاومة في طريق السلاح المستعمل كالعظام مثلا ، ومدى القوة المستعملة . ويمكن معرفة نفاذ السلاح بكاملة داخل الجسم ، بوجود سحجات حول حواف الجرح نتيجة اصابة الحواف بجزء مقبض السلاح المتصل بالنصل . اما ما يتعلق بمعرفة اتجاه القوة المستعملة والوضع الجسمي الذي كان عليه المصاب وموقع المعتدي بالنسبة له عند وقوع الاعتداء فان تتبع مسار هذه الجروح داخل الجسم مع العوامل السابق ذكرها يساعد كثيرا في معرفة ذلك .
وتتلخص مضاعفات هذا النوع من الجروح بالنزيف الدموي والسدة الهوائية وما يترتب عن اصابة الاحشاء داخل الجسم من مضاعفات .
مع تحيات النجعاوى وبس