يشرفنى أن أقدم لكم صاحب هذا الفكر المستنير، الأستاذ «عطية محمد الشيخ» المولود فى قرية القرشية بالسنطة عام ١٩٠٨، الذى تخرج فى دار العلوم، وعمل مفتشا عاما للغة العربية بالمعارف، واشتهر بفكره المستنير، الذى لم يكن عصره مستعدا له للأسف، ولا العصور التالية.
كان التاريخ سيتغير لو استمعوا إليه حين بدأ فى نشر أفكاره فى مجلة الرسالة عام ١٩٤٩، كان الشيخ يرى أن الإسلام قد أُتخم من كثرة ما تسرب إليه من النحل المختلفة والأديان الأخرى، فخلف من المسلمين خلفا جعلوا من عقيدته العطرة مشاكل، ومن غذاء الروح عقداً فلسفية، ووضعوا مصطلحات، واخترعوا علوما، فأفسدوا من الإسلام مذاقه، وعكروا صفوه، وكانوا أشد عليه ممن خاصمه بحد الحسام.
ومنذ أن تحول الإسلام إلى علوم جدلية وقواعد جافة، أخذ بناؤه ينقض وأرضه تنقص، والحل الوحيد للمسلمين أن يتركوا هذه التركة الثقيلة، التى يسمونها علوم الدين، والدين منها براء. لقد برهن الإمام الغزالى حجة الإسلام أن ما يسمّيه الناس علوم الإسلام ليس من الدين فى شىء، وأن معرفتها لا تقرب إلى الله قيد شعرة، وأن عامة المسلمين أخلص عقيدة وأصفى قلبا من علماء هذه العلوم.
إن الأمة أحوج إلى فهم علوم الدنيا من كيمياء وطبيعة ورياضة وطب وهندسة من هذه العلوم، ذلك أنها علوم تعين على الحياة والقوة وكسب الرزق، وهو ما أمر الدين به، بل هذه العلوم مأمور بالبحث فيها بنص القرآن. أما ما يسمونه العلوم الدينية، بحسب الوضع الذى صارت إليه، فليس لها سند فى الكتاب العزيز أو ماضى السلف الصالح، ولم يفد منها الإسلام إلا الضعف والتفرق والضياع .
فيا ليتهم علموا أن مؤلفات ابن الهيثم ، وقانون ابن سينا وجبر الخوارزمى تقرُبهم إلى الله أكثر من علمهم بالفرق بين المعجزة والكرامة، والواجب والمندوب، والإجماع والقياس، والحيض والاستحاضة.
القرآن الكريم ما تعرض للبحوث، التى سموها علوم الإسلام إلا لماما، حتى الصلاة - وهى عماد الدين - لم تتبين فيه أوقاتها وطريقتها، لا استهانة بها، ولكن لأنها يسيرة التناول على الذكى والغبى.
أما البحث فى النفوس وخلقتها، والأجنة ونموها، والأمم وتاريخها، والسماء وما بناها، والأرض وما طحاها، وحسبان الشمس والقمر فهى كل القرآن، وهى موضوع العلم الحديث، ومن يتبحرون فيها هم علماء الدين الذين يخشون الله ويخدمون الأمة.
علوم الإسلام هى الصناعة والزراعة والطب والهندسة، أما علوم الكلام والفقه والأصول فليست من الإسلام فى شىء.