ثلاث رسائل تتالت في أقل من أسبوع وُجِّهت إلى الدول العربية من خلال الجامعة العربية تدلّ على الحضيض الذي هوت إليه جامعةُ الدول العربية، وعلى المدى الذي وصله الاستهتار بالموقف العربي الرسمي في خطوطه العامّة.
وجاءت الرسالة الأولى من خلال الورقة الروسية-الأميركية التي طالبت الدول العربية بعدم إثارة موضوع إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية «قبل تحقيق السلام الشامل»، وهذا يعني التراجع عن قرار اتخذه مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار النووي عام 1955 طالب بإخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية من دون الاشتراط الجديد الذي جاءت به الورقة الروسية-الأميركية.
وحملت الورقة الموجهّة إلى أمانة الجامعة العربية مطالبةً بعدم إثارة موضوع انضمام الكيان الصهيوني للتوقيع على المعاهدة، وإضافة إلى ذلك طالبت كلٌّ من روسيا وأميركا الدول العربية أن توافق في المؤتمر على وضع منشآتها للبحث النووي تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذريّة، والامتناع عن تخصيب اليورانيوم على أراضيها، رغم ما يسمح به البندان الرابع والسابع من المعاهدة، وهذا الشرطان الأخيران هما المكافأة المقدّمة للدول العربية التي وقعت على المعاهدة، الأمر الذي يعني أن ثمة نيّة أميركية-روسية مبيّتة لتغيير بنود في المعاهدة، أو إماتتها من خلال التزام الدول الموقعّة لا سيما الدول العربية وإيران وتركيا بعدم تخصيب اليورانيوم على أراضيها حتى للأغراض السلمية وفي الحدّ الأدنى.
وتعتبر «الورقة» بكل المقاييس إهانةً للدول العربية وللجامعة العربية، لأنها تكشف عن مدى الاستهتار بالموقف العربي، وعن مدى التجرّؤ الدولي على فرض الإملاءات عليه، وهو ما لم يحصل في أية مرحلة سابقة بما فيها العقدان الأخيران، هذا يعني أن أمانة الجامعة العربية والدول المؤثرة في قراراتها قد وصلت مستوى من التراجع وقبول الإملاءات لم يسبق لها مثيل حتى بالنسبة إلى المعنيين أنفسهم.
ولعل انضمام روسيا إلى هذا الموقف الأميركي دليل صارخ على هذا المستوى من الاستهتار في الموقف العربي وعدم مراعاة أي حساب له، فروسيا في هذا الموقف أشبه بالذي تأبّط شراً، وهي المحتاجة إلى صداقة العرب والمسلمين، وإلاّ فمَنْ يبقى لها في قادم الأيام إذا ما سقطت في حمأة العداء الذي لا مسوّغ له، ومن ثَمّ ما كان لها أن تسقُطَ هذه السقطةَ لولا تأكدها أن لا نتائج سلبية عليها ستأتي من أمانة الجامعة العربية أو الدول العربية المعنية، ولكنها، بالتأكيد، يجب ألاّ تكون واثقة بأن الثمن لن تدفعه من خلال موقف الرأي العام العربي والإسلامي الذي وقف وحده إلى جانبها في أزمتها مع جورجيا.
طبعاً إلى جانب التفسير أعلاه المتعلق بعدم مراعاة أي حساب لردّ من قِبَل الدول العربية وجامعة الدول العربية، فإن انضمام روسيا لأميركا في هذه الورقة جاء مدفوعَ الثمنِ ونتاجَ صفقةٍ، لأنه جاء مناقضاً تماماً لموقف روسي ثابت في موضوع إخلاء المنطقة من السلاح النووي دون أن يربط ذلك بعقد اتفاق السلام الشامل.
وجاءت الإهانة الثانية لأمانة الجامعة العربية والدول العربية بعامّة -مع استثناء سوريا ولبنان- من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون حين أعلنت، قبل صدور قرار لجنة المتابعة بدعم طلب محمود عباس بالموافقة على العودة إلى المفاوضات غير المباشرة، «بأن الدول العربية ستدعم عباس في طلبه العودة إلى المفاوضات»، فكيف علمت بذلك؟ ولماذا كانت متأكدة من أن لجنة المتابعة بأغلبيتها سوف توافق على الطلب؟
لقد بدا المشهد هنا فاضحاً كما لو كانت لجنة متابعة مبادرة السلام العربية في جيب السيدة هيلاري كلينتون، وإلاّ فلماذا كل هذه الثقة بأن لجنة المبادرة ستوافق رغم ما حدث لموافقتها السابقة التي مرّغها نتنياهو بالوحل أو ألقى بها في سلة المهملات، ففي الأقل كان على لجنة المتابعة أن تتلكأ قليلاً، وتبدو كما لو أنها تناقش الطلب بجديّة، وأن موافقتها ليست جاهزة. ولكنها لم تفعل، وقبِلت بأن تلبّي طلب هيلاري كلينتون المسيء إليها حين أعلنت مسبقاً أن الدول العربية ستدعم طلب محمود عباس العودة إلى المفاوضات غير المباشرة.
أما الرسالة الثالثة -وهي الإهانة الأشدّ والأبلغ- فقد جاءت في الفترة نفسها من خلال التهنئة التي أرسلها الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى كل من شيمون بيريز وبنيامين نتنياهو بمناسبة نكبة فلسطين قبل 62 عاماً، والتي يحتفل بها الكيان الصهيوني باعتبارها «عيد الاستقلال»، ففي هذه التهنئة قال أوباما «إن فلسطين التاريخية هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي»، ومع ذلك لم يصدر تعليق من أمانة الجامعة العربية، ولم تغضب لجنة متابعة مبادرة السلام العربية إزاء الموقف الأميركي الذي يجعل من عملية التسوية مسخرة، ومن مبادرة السلام العربية فضيحة، ومن الرهان على أميركا كارثة متعدّدة الأبعاد على القضية الفلسطينية.