حضارات منسية

ما من حضارات مفقودة إنما هناك حضارات منسية.

منذ آلاف السنين ترقد حضارتا (ديلمون) و(تايلوس) تحت رمال البحرين.

البحرين هي أرخبيل صغير ضائع وسط الخليج العربي على مرمى حجر من سواحل السعودية وقطر./ إنها أصغر دولة بين الدول العربية،/ فطولها بالكاد يبلغ خمسين كيلومتراً بينما يبلغ عرضها عشرين كيلومتراً.

تشكل البحرين بالنسبة إلى المسافرين الذين هم على عجلة من أمرهم مطاراً تحيطه المياه كما أنها محطة رجال العمال وبلادُ الفنادق والنفط والمصارف.

ولكنها أيضاً مهد حضارة قديمة جداً/ أحسنت طيلة آلاف السنين استثمار مصدريها الطبيعيين:/ بحر للتجارة وبحر آخر للمياه العذبة، فعاش شعبها هانئاً موفوراً.

منذ أكثر من أربعة آلاف سنة كانت البحرين أرضَ ملوك (ديلمون) التي أعيد اكتشاف تاريخها العريق قبل خمسين عاماً تقريباً.

بدأت المغامرة عام ألف وتسعمائة وأربعة وخمسين عندما وصل إلى البحرين رجلان وضعا نصب أعينهما فكرة واحدة ألا وهي العثور على بقايا مملكة (ديلمون)./ ولكن لم تكن تتوفر آنذاك الدلائل الكافية في علم الآثار./ ومع ذلك باشرت البعثة الدانماركية التي يقودها "جيفري بيبي" و"بيتر فيلهم غلوب" أول سلسلة من التنقيبات.

جذبتهما بالطبع التلال الغامضة المنتشرة على مدّ النظر في أرض البحرين. حضارات مفقودة إنما هناك حضارات منسية.

تخبئ كل تلة من هذه التلال في طياتها قبراً، / عددها يزيد عن مائة وخمسين ألف هضبة./ إنها إحدى أكبر مقابر العالم/ وفي عام ألف وتسعمائة وأربعة وخمسين كانت الدليل الوحيد على الوجود البشري في البحرين عبر قديم الزمان.

من هم الناس الذين يرقدون هنا؟/ لم تقدم هذه المقابر التي نهبت طيلة قرون سوى معلومات قليلة حولهم،/ لذا قرر عالما الآثار التنقيب في مكان آخر بحثاً عن أرض ديلمون القديمة./ وهكذا باشرا القيام بعدة حفريات متزامنة.

وسط أحد بساتين النخيل الواقعة شمالي الجزيرة حقق "بيتر غلوب" و"جيفري بيبي" اكتشافاً كبيراً/ كشفا النقاب في قلعة البحرين الواقعة عند أسفل قلعة رممها المستوطنون البرتغاليون في القرن السادس عشر عن جدرانَ وأسسِ بناء هي أطلال بلدة واسعة. حضارات مفقودة إنما هناك حضارات منسية.

عثر عالما الآثار الدانمركيان على قطع أحجية ضخمة استغرق إعادة تركيبها خمسة عشر عاماً./ وأخيراً أكدت الدراسات التي تناولت الأواني الفخارية العائدة إلى طبقات سكنية مختلفة في المكان على وجود مملكة ديلمون./ عاش أهل ديلمون على هذه الجزيرة قبل أكثر من أربعة آلاف سنة/ ودفنوا أمواتهم في مقابر شاسعة عند أطراف الصحراء/ وكانت قلعة البحرين تشكل أكبر مرفأ بالنسبة إليهم.

في عام ألف وتسعمائة وتسعة وثمانين عمل فريق فرنسي في موقع قلعة البحرين.

تولى الحفريات فريق مؤلف من عشرة أشخاص يرأسه (بيير لومبار) ومعاونه الأساسي {جان إيف بروى }

تسلم الايادى