[color=red][u][i][b]
في إعلام اليوم أصبح الحدث ليس له تلك الأهمية التي يتمتع بها الخبر. وفي أفضل الحالات يمكن القول أن الحدث يقوم بخدمة الخبر و ليس العكس كأن يصبح الحدث أحد مكونات الخبر.
الخبر له أولوية وأهمية أكبر من الحدث، رغم أن الحدث هو شيء ملومس فيزيائياً و الخبر هو شيء غير ملموس. لإنه عبارة عن وصف لحدث. أليس كذلك؟
لكن ليس للحدث بمفهوم الإعلام أية قيمة بدون الخبر الذي ينقل عنه.
فعلى سبيل المثال فاجعة قصف مدينة حلبجة بالسلاح الكيمياوي لم تكن لها أهمية لدى الرأي العام العالمي في سنة وقوعها ولم تثير أحد رغم هولها ، لأن وسائل الإعلام الغربية لم تحول آن ذلك هذا الحدث المروع الى خبر مثير، لأنها في ذلك الوقت كانت لها مصالح أكثر أهمية من قيمة خبر مثير كهذا. (كان الجميع يعتقد أن صدام حسين يحارب الجمهورية الإسلامية في أيران نيابة عنهم ، و لم يريدوا أن ينسبوا له جريمة مروعة كتلك، قد تسبب له و لهم إحراج ، لأن الدول الغربية كانت تؤيده).
(ملاحطة: لم يتم إثارة هذا الموضوع بالإهتمام اللازم إلا بعد أن شن صدام حربه على الكويت و إحتلها. أي بعد حوالي سنتين من واقعة حلبجة). لقد إستطاعة وسائل الإعلام خلال أياماً معدودة أن تحول حدث منسي ليس له وجود في وعي الناس الى خبر مثير ، ساعد على تأييد الشارع الغربي لقصف بغداد سنة 1991.
الخبر هو الذي يعطي للحدث أهمية وليس العكس كما يتصور الكثيرون. لا بل يمكننا القول أن الخبر هو الذي يعطي للحدث وجود.
الحدث بحاجة للخبر لإعلان وجوده ، و الخبر ليس بحاجة لحدث لإعلان وجوده. و في بعض الأحيان يمكن للخبر أن يختلق الحدث.
لا تستغرب عزيزي القاريء من هذا القول، سوف أشرح ذلك قريباً بمثال توضيحي.
أهمية الحدث تبقى محدودة ضمن الموقع الذي حصل فيه ، و قد ينتهي و تنتهي أسبابه ويطويه التاريخ طي النسيان دون أن يترك أثر على الرأي العام (بإستثناء أولائك الذين عاشوا الحدث)، إلا إذا تحول من حالة الحدث الى حالة الخبر.
فكم من أمم صغيرة و كبيرة في أزمان و أوطان عديدة عاشت و تكاثرت و تشاجرت و تحاربت و إندثرت دون أن نعلم عنها شيء. و كم من أحياء ونباتات ظهرت و إنقرضت من على وجه الكرة الأرضية دون أن نعلم عنها شيء، أي دون أن يتحول وجودها من حدث الوجود الى خبر يثبت هذا الوجود، كأن يكون بحث أو مقال أو فلم في وسيلة ما من وسائل الإعلام
فالحدث يفقد معناه إذا لم يتحول الى خبر. بمعنى أن أي حدث مهما كانت أهميته ليس له إية قيمة في وعينا إذا لم يتحول الى خبر. إذا إستثنينا الحالة التي نكون فيها نحن جزء من الحدث.
وحتى ما ذكر لنا التاريخ من أحداث من الصعب إعتمادها إن لم تكن قد تحولت في حينها الى خبر. أي إذا لم تدون في وقت حدوثها. وحتى بعد تدوينها فالخبر بقى دائماً سيد الموقف. لأنه صاغ الحدث وبذلك نقله الى وعينا كما شاء مدون الخبر. و هنا في مثالي هذا هو الشخص الذي قام بكتابة التاريخ.
وسائل الإعلام الحديثة وممارسة الإعلام كمهنة وتجارة حرة ، خاضعة لقوانين رأس المال ، الذي تحكم حالياً العلاقات التجارية في العالم ، جعلت للخبر أهمية أكبر.
ما يتم بيعه للمستمع أو المشاهد هو ليس ما حصل فعلاً (أي ليس نقل صورة محايدة للحدث) بل هو الخبر المثير الذي يدر بربح أكبر على الصحفي وعلى وسيلة الإعلام التي يعمل فيها.
و إذا أخذنا العراق كمثل للصحافة الحرة التي تخضع لقوانين التجارة الحرة ، فليس من مصلحة وسائل الإعلام أو الصحفي الذي يعمل في العراق أن يرى الأمور مستقرة فيه، وليس من المنطق أن نطلب منه أن يكون محايد أو أن يساهم في الجهود الرامية لإستقرار العراق. إنه بذلك يقطع باب رزقه.
فالإرهاب والقتل و التفجيرات وأمور مثيرة أخرى كهذه ، هي أفضل بضاعة مربحة لأنها أفضل الأخبار التي تثير القاريء و تدفعه لشراء الصحيفة أو رؤية الفضائية، مما يرفع من المردود المالي للصحفي و لوسيلة الإعلام.
مثال لتوضيح قوة الخبر و أولويته على الحدث:
إن خبر إغتصاب السيدة صابريين (الذي روجت له وسائل الإعلام العربية وبعض وسائل الإعلام الغربية) قامت بعمله و الإشراف على إخراجه في شهر شباط 2007 فضائية الجزيرة بدعم و تنسيق مع جهات سياسية عديدة و لذلك كان أقوى بما لا يقبل المقارنة من أحداث القتل اليومي للطبقات المسحوقة من العراقيين في الأسواق و أماكن تجمع العمال اليومين و الفقراء من أبناء هذه الأمة المظلومة. مع أن الأول هو خبر فقط بدون حدث و الثاني حدث كبير و مروع لكنه لم يتحول الى خبر يصف الحدث نفسه. و السبب يعود لكون الأول خبر جيد بمفهوم الإعلام الدعائي و لذلك فهو ليس بحاجة لحدث ، و الثاني هو حدث لم يكن له أهمية لأنه لم يتحول الى خبر يصف الحدث نفسه.
الأول رغم أنه خبر فقط لم يسبقه حدث ، ولكنه كان الأقوى و الباقي في ذاكرة الناس وأما الثاني فقد كان حدث لا بل أحداث ليست لها أية أهمية في وعي المواطن العربي أو الأجنبي مهما كان حجمها و صفتها لأنها لم تتحول الى أخبار تشرح تلك الأحداث وتثير الرأي العام العالمي ضد الإرهاب وضد الدول التي تموله و تدعمه.
ليس هنالك من له إهتمام أو مصلحة و معرفة مهنية جيدة بنقل هذا الحدث بأمانة وحياد الى وعي المشاهد العربي أو الأجنبي.
إن هؤلاء المسحوقيين من هذه الأمة المظلومة ليس هنالك من يقف الى جابهم. إنهم حطب الحروب و الإرهاب و الصراعات السياسية و الطائفية، فلماذا لا يكونون أيضاً حطباً لتجارة الإعلام.
لا شك أن بعض وكالات الأنباء ذكرت (وأرجو الإنتباه الى كلمة ذكرت لأنها مهمة بهذا الخصوص) في سياق نقلها لأخبار العراق عن مقتل لنقل على سبيل المثال 130 شخص في إحدى أسواق بغداد في يوماً ما. الحادث يذكر كخبر رقمي ، أي أن الرقم في هكذا نقلاً للأخبار هو جوهر الخبر الأساسي.
أو بتعبير أخر فأن الموضوع هو موضوع 130 و ليس موضوع طفلة يتيمة فقدت الآن حتى أمها و ليس موضوع قطع سيقان رجل كان يعيل عائلة وأصبح الآن معوق وعالة على أهله وليس موضوع أم ترى أشلاء أطفالها مبعثرة و محروقة أمامها. هنالك الآلاف من هذه الحوادث التي ليس لها أية قيمة أنسانية. أنها أخبار رقمية. حتى أنا أصبحت مضطراً لأن أقول آلاف كرقم و ليس كآلاف من المآسي نعم آلاف من المآسي.لا بل ملايين.
في بعض الأحيان تختم وسائل الإعلام تعليقها حول موضوع ال130 بجملة تشير الى أن سبب ذلك هو تقصير الجيش الأمريكي أو الحكومة العراقية في الحفاظ على الأمن. و الذي يبقى في ذاكرة القاريء أو المشاهد أو المستمع هو أن الجيش الأمريكي و الحكومة العراقية سببوا قتل 130 لأنهم غير كفؤين في الحفاظ على الأمن و السلام عليكم و رحمة الله وبركاته.